تُعد وزارة العدل في المملكة العربية السعودية من الجهات الحكومية الرائدة في تبني التحول الرقمي، وذلك في إطار رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى بناء قطاع عدلي كفء وفاعل وموثوق. ومن بين المبادرات الهامة التي أطلقتها الوزارة لتحقيق هذا الهدف، تبرز منصة خبرة كأداة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الكفاءة والشفافية في الإجراءات القضائية من خلال ربط المحاكم في وزارة العدل او ناجز والدوائر القضائية بالخبراء المتخصصين في مختلف المجالات. تمثل منصة خبرة نقلة نوعية في إدارة طلبات الخبرة وتقديمها، وتسعى إلى تقليص أمد التقاضي، وتسهيل التواصل بين الأطراف المعنية، ورفع مستوى جودة التقارير الفنية المقدمة للمحاكم. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل ومعمق لمنصة خبرة المتعاونة مع وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، واستكشاف أهدافها وآليات عملها والخدمات التي تقدمها، بالإضافة إلى استعراض تأثيرها على سير العملية القضائية والتحديات والفرص المستقبلية التي تكتنف هذه المنصة الهامة.
يأتي إطلاق منصة خبرة في سياق جهود وزارة العدل المستمرة لتحديث وتطوير منظومة القضاء، ومواكبة التطورات التقنية الحديثة. يمكن تحديد السياق والأهداف الاستراتيجية للمنصة في النقاط التالية:
-تقليص أمد التقاضي وتسريع الإجراءات القضائية: يُعد طول أمد التقاضي من التحديات التي تسعى وزارة العدل إلى التغلب عليها. تهدف منصة خبرة إلى تسريع عملية الحصول على آراء الخبراء المتخصصين وتقديم تقاريرهم الفنية، مما يساهم بشكل مباشر في تقليص المدة الزمنية اللازمة للفصل في القضايا.
-تسهيل التواصل الفعال بين القاضي والخبير وأطراف الدعوى: كانت عملية التواصل بين الأطراف المعنية بالخبرة (القاضي، الخبير، أطراف الدعوى) في السابق تعتمد على إجراءات تقليدية قد تستغرق وقتًا وجهدًا. تعمل منصة خبرة على توفير قنوات اتصال إلكترونية مباشرة وفعالة لتسهيل تبادل المعلومات والمستندات والاستفسارات بين جميع الأطراف.
-رفع مستوى جودة تقارير الخبرة المقدمة للمحاكم: من خلال تنظيم عملية اختيار الخبراء وتحديد نطاق عملهم وتوفير الأدوات اللازمة لتقديم التقارير، تسعى منصة خبرة إلى ضمان حصول المحاكم على تقارير فنية عالية الجودة تتسم بالدقة والموضوعية والشمولية.
-تحقيق أعلى درجات الشفافية والكفاءة في التعاملات العدلية المتعلقة بالخبرة: تعمل المنصة على إرساء مبادئ الشفافية في عملية ندب الخبراء واختيارهم وتقدير أتعابهم. كما تساهم في رفع كفاءة الإجراءات من خلال أتمتة العديد من العمليات التي كانت تتم بشكل يدوي في السابق.
-توفير الجهد والوقت على المستفيدين وتقليل التكاليف: من خلال تسهيل الإجراءات وتقليل الحاجة إلى المراجعات التقليدية للمحاكم، تساهم منصة خبرة في توفير الجهد والوقت على أطراف الدعوى والخبراء على حد سواء. كما أن تنظيم عملية تقدير الأتعاب قد يساهم في تقليل التكاليف الإجمالية لعملية الخبرة.
-بناء قاعدة بيانات موحدة ومعتمدة للخبراء في مختلف التخصصات: تعمل المنصة على إنشاء سجل موحد ومعتمد للخبراء المتخصصين في مختلف المجالات، مما يسهل على المحاكم والدوائر القضائية الوصول إلى الكفاءات المناسبة للقضايا المعروضة.
تعتمد منصة خبرة على آليات عمل إلكترونية متكاملة لتنظيم عملية طلب الخبرة وتقديمها. يمكن تلخيص هذه الآليات والخدمات في النقاط التالية:
-تسجيل الخبراء واعتمادهم: تتيح المنصة للخبراء المتخصصين في مختلف المجالات (الهندسية، المحاسبية، القانونية، الطبية، وغيرها) إمكانية التسجيل وتقديم مؤهلاتهم وخبراتهم. تخضع طلبات التسجيل لعملية تدقيق واعتماد من قبل وزارة العدل لضمان جودة وكفاءة الخبراء المسجلين.
-إرسال طلبات الخبرة من الدوائر القضائية: عندما تحتاج دائرة قضائية إلى رأي خبير في قضية معينة، يتم إرسال طلب الخبرة إلكترونيًا عبر منصة خبرة، مع تحديد نطاق عمل الخبير والمعلومات الأساسية للقضية للشركات الهندسية على سبيل المثال لان القطاع الهندسي احد ابواب الخبرة و المرجعية في بعض القضايا و تعد شركة رشيد العجيان للدراسات و الاستشارات الهندسية احد الشركات الهندسية و المعتمدة في منصة خبرة.
-ترشيح الخبراء من قبل النظام: يقوم النظام في منصة خبرة بترشيح قائمة من الخبراء المسجلين والمتخصصين في المجال المطلوب بناءً على معايير محددة تتناسب مع طبيعة القضية ومتطلبات الدائرة القضائية. و لان شركة رشيد العجيان للدراسات و الاستشارات الهندسية احد ركائز منصة خبرة فيما يخص الشركات الهندسية فلديها من الخبراء و المسجلين و المعتمدين في منصة خبرة في عدة مجالات.
-تقديم عروض الأسعار والمؤهلات من قبل الخبراء المرشحين: يتاح للخبراء المرشحين الاطلاع على تفاصيل القضية وتقديم عروض أسعارهم ومؤهلاتهم عبر المنصة.
-اختيار الخبير من قبل أطراف الدعوى وموافقة الدائرة القضائية: يتم منح أطراف الدعوى (في بعض الحالات) إمكانية الاطلاع على عروض الخبراء المرشحين واختيار أحدهم، على أن يتم بعد ذلك الحصول على موافقة الدائرة القضائية على الاختيار.
-إدارة عملية إعداد وتقديم تقرير الخبرة: توفر المنصة أدوات إلكترونية للخبير لإدارة عملية إعداد تقرير الخبرة وتقديمه إلكترونيًا عبر المنصة.
-مراجعة واعتماد تقرير الخبرة من قبل أطراف الدعوى والدائرة القضائية: يتاح لأطراف الدعوى الاطلاع على تقرير الخبير ومراجعته وتقديم ملاحظاتهم (إن وجدت) عبر المنصة. يتم بعد ذلك اعتماد التقرير النهائي من قبل الدائرة القضائية إلكترونيًا.
-سداد أتعاب الخبير: تسهل المنصة عملية سداد أتعاب الخبير من قبل الطرف المسؤول عن ذلك، مع توفير آليات إلكترونية للدفع والفواتير.
-التواصل الإلكتروني بين جميع الأطراف: توفر المنصة قنوات اتصال إلكترونية آمنة وموثقة لتبادل الاستفسارات والملاحظات والمستندات بين القاضي والخبير وأطراف الدعوى.
-توفير بيانات وإحصائيات حول عمليات الخبرة: تقوم المنصة بتجميع وتحليل البيانات المتعلقة بعمليات الخبرة، مما يوفر رؤى قيمة لوزارة العدل لتحسين وتطوير الإجراءات.
من المتوقع أن يكون لمنصة خبرة تأثيرات إيجابية ملموسة على سير العملية القضائية في المملكة العربية السعودية:
-زيادة الكفاءة وتقليل التأخير: من خلال أتمتة العديد من الإجراءات وتسريع عملية التواصل، تساهم المنصة في تقليل الوقت المستغرق في الحصول على الخبرة وتقديمها، مما ينعكس إيجابًا على سرعة الفصل في القضايا.
-تعزيز الشفافية والعدالة: إن تنظيم عملية ندب الخبراء واختيارهم وتقدير أتعابهم بشكل إلكتروني يساهم في تعزيز الشفافية والحد من أي تحيزات محتملة، مما يعزز مبادئ العدالة.
-تحسين جودة القرارات القضائية: من خلال توفير تقارير خبرة فنية عالية الجودة، تمكن المنصة القضاة من اتخاذ قرارات مستنيرة تستند إلى أسس علمية وفنية متينة.
-توفير الوقت والجهد على القضاة والموظفين الإداريين: من خلال أتمتة المهام الروتينية المتعلقة بإدارة طلبات الخبرة، تساهم المنصة في تخفيف العبء على القضاة والموظفين الإداريين وتمكينهم من التركيز على الجوانب الجوهرية للقضايا.
-تسهيل وصول أطراف الدعوى إلى معلومات حول عملية الخبرة: تتيح المنصة لأطراف الدعوى متابعة مراحل عملية الخبرة والاطلاع على العروض والتقارير، مما يزيد من مستوى رضاهم وثقتهم في النظام القضائي.
على الرغم من الفوائد العديدة لمنصة خبرة، إلا أنها قد تواجه بعض التحديات وتتضمن فرصًا مستقبلية مهمة:
-ضمان التبني الكامل والفعال للمنصة من قبل جميع الدوائر القضائية والخبراء: يتطلب تحقيق أهداف المنصة تبنيها واستخدامها بشكل كامل وفعال من قبل جميع الجهات المعنية.
-توفير الدعم الفني والتدريب اللازم للمستخدمين: لضمان الاستخدام الأمثل للمنصة، من الضروري توفير الدعم الفني المستمر والبرامج التدريبية اللازمة للقضاة والموظفين الإداريين والخبراء وأطراف الدعوى.
-ضمان أمن المعلومات وحماية البيانات: نظرًا لطبيعة المعلومات الحساسة التي يتم تبادلها عبر المنصة، من الضروري ضمان أمن المعلومات وحماية البيانات من أي اختراقات أو تهديدات سيبرانية.
-تطوير وتحديث المنصة بشكل مستمر لمواكبة التطورات التقنية واحتياجات المستخدمين: يتطلب الحفاظ على فعالية المنصة تطويرها وتحديثها بشكل مستمر لمواكبة التطورات التقنية الحديثة وتلبية الاحتياجات المتغيرة للمستخدمين.
-تكامل المنصة مع الأنظمة القضائية الأخرى: لتعظيم الفائدة من منصة خبرة، قد يكون من المفيد تكاملها مع الأنظمة القضائية الأخرى مثل نظام إدارة القضايا ونظام التقاضي الإلكتروني.
-توسيع نطاق عمل المنصة ليشمل أنواعًا أخرى من الخبرات والاستشارات: يمكن توسيع نطاق عمل المنصة ليشمل أنواعًا أخرى من الخبرات والاستشارات التي قد تحتاجها المحاكم والدوائر القضائية.
-الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في ترشيح الخبراء وتحليل التقارير: يمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير آليات أكثر دقة في ترشيح الخبراء وتحليل محتوى التقارير.
-توفير أدوات تحليلية متقدمة للقضاة للاستفادة من تقارير الخبرة: يمكن تزويد القضاة بأدوات تحليلية متقدمة تساعدهم في استخلاص النتائج الهامة من تقارير الخبرة.
-ربط المنصة مع جهات الخبرة المعتمدة بشكل مباشر: يمكن تطوير آليات لربط المنصة بشكل مباشر مع جهات الخبرة المعتمدة (مثل الجامعات والمراكز البحثية) لتسهيل الوصول إلى الخبرات المتخصصة.
-توفير منصة لتبادل المعرفة والخبرات بين الخبراء أنفسهم: يمكن تطوير المنصة لتصبح أيضًا منصة لتبادل المعرفة والخبرات بين الخبراء المسجلين فيها.
تُمثل منصة خبرة المتعاونة مع وزارة العدل في المملكة العربية السعودية خطوة رائدة وهامة نحو تطوير القطاع العدلي وتعزيز كفاءته وشفافيته. من خلال أهدافها الواضحة وآليات عملها المتكاملة، تساهم المنصة في تسريع الإجراءات القضائية، وتسهيل التواصل بين الأطراف المعنية، ورفع مستوى جودة التقارير الفنية. ومع مواجهة التحديات واستغلال الفرص المستقبلية، يمكن لمنصة خبرة أن تلعب دورًا محوريًا في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 المتعلقة بتطوير منظومة العدالة، وبناء نظام قضائي كفء وفاعل وموثوق يخدم المواطنين والمقيمين على حد سواء. إن الاستمرار في تطوير هذه المنصة وتعزيز استخدامها يمثل استثمارًا حقيقيًا في مستقبل القضاء السعودي.
(يمكنك التواصل معنا عبر موقعنا الالكتروني او الاتصال بنا لطلب استشارة مجانية)